مقتطفات صحفية

 طالبوا بقانون حق الوصول الى المعلومات عبر الإنترنت - فادي عبود 

 
 

- الجمهورية -

لفت نظري خلال التظاهرات النقابية وحدة الموقف حول موضوع اساسي وهو اتهام الطبقة السياسية بالحرامية وبسرقة مال الشعب وابتلاع الحقوق، وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حملات تحت عنوان «حراميّي ونص» لدعم النقيب حنا غريب الذي اعتبر بصراحة انه لا يواجه الرأسمالية بل يواجه «حراميّي»، وانتشرت الشعارات واليافطات التي تندّد بالسرقة وبالفساد وبمصّ دم الشعب.
 
في خضمّ هذه الثورة يبدو واضحاً انّ الشعب مقتنع بأنّ المسؤولين يسرقون الحقوق، وانّ عجز تمويل الموازنة هو ناتج عن الهدر والسرقة والفساد، ولكن، الملفت في الموضوع هو حصر مسؤولية الفساد بالمسؤولين فقط، علماً انّ الواقع يُظهر انّ منظومة الفساد تطال الجميع من دون استثناء من اعلى الهرم ونزولاً، حيث باتت عقلية الفساد موضة منتشرة يمارسها الجميع والدليل انّ لا أحد يتبنّى اليوم مطالب اصلاحية او يلقي الضوء على ادوات محاربة الفساد ويتبنّاها ويخلق الثورات لأجلها.

والدليل على تخدير المجتمع في ما يختص بمحاربة الفساد وايجاد عدة العمل الضرورية لذلك، هو التعتيم الاعلامي والشعبي على عرقلة إحالة قانون الحق في الوصول الى المعلومات الى الهيئة العامة.

فقد طلب دولة الرئيس تمام سلام تأجيل إحالة القانون المتعلق بالوصول الى المعلومات الى الهيئة العامة لمجلس النواب بتاريخ 8/4/2014 وقد تمّ منحه شهراً من دولة الرئيس نبيه بري، علماً انّ النص المحال الى الهيئة العامة ناقش مشروع قانون الحكومة وملاحظات الإدارات العامة الموجّهة الى اقتراح القانون. وهو يتضمّن الزام كلّ الادارات والوزارات نشر المعلومات المتعلقة بالمال العام على المواقع الالكترونية التابعة لها. وقد توجهنا حينها عبر المرصد اللبناني للشفافية بكتاب مفتوح الى دولة الرئيس نطلب فيه اعادة النظر بالقرار، واحالة القانون فوراً الى الهيئة العامة لاقراره، علماً اننا نكنّ كل الاحترام لدولة الرئيس ونعلم انّ لديه النية الحقيقية في دعم اقرار قوانين اصلاحية تضع لبنان على اول سكة محاربة الفساد بالفعل لا بالقول.

هناك حاجة ماسة لإقرار هذا القانون اليوم قبل الغد، ففي ظل هذه الظروف يبدو واضحاً انّ المواطن اليوم غير مقتنع بأنّ الدولة غير قادرة حقيقة على تمويل سلسلة الرتب والرواتب ما خلق فجوة كبيرة بين ما يقوله المسؤولون وبين المواطنين، وذلك بسبب غياب الشفافية والقدرة على الاطلاع على حسابات الدولة وكيف تُدار، وما هي الايرادات والمصاريف الفعلية، لذلك يجب علينا وعلى جميع الحريصين على كينونة البلد أن نطالب سوياً بإقرار قانون الحق في الوصول الى المعلومات عبر الانترنت، طالبوا نوابكم ووزراءكم، وحاسبوهم إن لم يفعلوا، طالبوا دولة الرئيس بإحالته فوراً الى الهيئة العامة.

وحيث إنّ اعادة الثقة تستوجب اجراءات حازمة، يبقى تطبيق قانون الوصول الى المعلومات، الخطوة الاساسية نحو ذلك. إنّ الحلّ اليوم يبقى في إشراك المواطن في عملية المحاسبة وإشعار المسؤول بأنّ عمله يتم تقييمه ومتابعته، وهذا لن يتحقق ما لم نعتمد على نشر المعلومات المتعلقة بإدارة المال العام على الانترنت والمواقع الرسمية للادارات ليتسنّى لكل مواطن الاطلاع عليها وتقييمها والتأكد من انّ الضرائب التي يدفعها توضع بموضعها الصحيح. طالبوا معي بإقرار هذا القانون الاساسي لكشف الارقام.

فاذا تمّ نشر الحسابات على الانترنت، لن يبقى في ذهن المواطنين الشعار الموحّد بأنّ «كلهم حراميّي» بل سيستطيع ايّ مواطن تحديد مكمن السرقة والهدر وسيتحوّل الى شريك في الاطلاع على المصاريف والحسابات كما الايرادات.

لقد غنّت فيروز يوماً «الرعيان في واد، والقطعان في واد» وهذه حقيقة لا تزال حتى اليوم، فهذا الانفصال بين ما يراه المسؤولون وما يراه المواطنون يعود الى عدم اكتمال المعلومة لدى المواطن، فغياب المعلومات يولّد الشك و»النقار» والاتهامات. إنّ امتلاك المواطنين للمعلومات ستضع الجميع امام مسؤولياته وسيتمّ تحليل واقعنا الاقتصادي بشفافية، ويتحوّل المواطن الى رقيب مسؤول يتابع القضايا الاقتصادية عن معرفة وليس عن تضليل.

أما من جهة أخرى، فإنّ المعلّمين انفسهم هم في موقع الاتهام، فهم متهمون اليوم بأنّ هناك نسبة استاذ لكل 7 تلامذة، وبأنّ هناك فائضاً في التوظيف، وبأنهم يسعون للحصول على الدرجات من دون ايّ تقييم للأداء، كما انّ التعليم الرسمي يسبب هدراً كبيراً مقارنةً بالنتائج التي تتحقق، وبالتالي فإنّ نشر معلومات وزراة التربية من توزيع الاساتذة الى المبالغ التي يتم صرفها لعملية التعليم، والمباني والصيانة والمصاريف الاخرى، تساهم في إيضاح هذه الصورة الملتبسة، وتضع الامور في نصابها.

لا يكفي اليوم للحركة العمالية أن ترفع شعارات عن السرقة والفساد، يجب أن تذهب الحركة العمالية الى ابعد من ذلك، وأن تطالب بنشر كل المعلومات والحسابات عبر القانون، يجب أن تكون الحركة العمالية اليوم الشريك الاساسي في عملية الاصلاح، وأن تتبنّى مطلباً واضحاً ووحيداً، «انشروا كل ادارة المال العام على الانترنت، المداخيل والمصاريف والمناقصات، كل قرش يدخل وكل قرش يخرج»، فهذه اموال الشعب والشعب يستحق تقريراً مالياً عن امواله. لنطالب معاً بإقرار القانون اليوم ومن دون تأخير.

إنّ بقاء الشعارات عامة وغير محددة لن يخدم احداً وخصوصاً في موضوع الاصلاح، فقد بتنا اليوم امام مفترق طرق يحدّد مستقبلنا، يجب أن نتبنّى علاجاً لرأب الصدع الكبير بين المسؤول والمواطن، فاتهامات السرقة اليوم تطال الجميع من دون استثناء، والسارق الحقيقي ضائع في ظل هذه المعمعة.

إنّ هذا القانون يمثل الخطوة الاولى والاهم لبدء عملية الاصلاح الفعلية انطلاقاً من حق المواطن المقدّس بمعرفة التفاصيل المتعلقة بصرف المال العام لبناء جسور الثقة الحقيقية بين المواطن والسلطة. لذلك يجب أن نسجّل اليوم خطوة تاريخية في تطبيق أسس محاربة الفساد بالفعل، ولنتحّد في وضع المسؤولين امام مسؤولياتهم لإقرار قانون الحق في الوصول الى المعلومات عبر الانترنت.