مقتطفات صحفية

 نمو الاستحقاقات الاجتماعية في مرحلة تفاقم الأزمات المالية 

 
 

محطات لمؤشرات اقتصادية

عدنان الحاج  - السفير

لا شك في أن شبح الخلافات السياسية المستحكمة حول الاستحقاقات المختلفة الممزوجة، مع انعكاسات تطورات الاحداث السورية، التي يبدو أنها لن تكون قصيرة المدى في النتائج والضرر الاقتصادي على لبنان وطبقته العاملة أولاً، وتراجع مجمل المؤشرات الاقتصادية ثانياً، مع العجز الكبير للمالية العامة، نتيجة سوء الأداء والهدر المستمر في العديد من الادارات والقطاعات، وعجز قطاع الخدمات، من الكهرباء التي يزحف عجزها ليطاول 50 في المئة من الدين العام، وهو يأكل حالياً أكثر من 50 في المئة من عجز الموازنة العامة، في حال التقيد بسقف الإنفاق. (عجز الكهرباء حالياً حوالي 3096 مليار ليرة للعام 2013 وأكثر قليلا للعام 2014، من دون أي تحسن في التغذية، على الرغم من وجود البواخر التي لا يعرف أحد كم تنتج، غير التقديرات الإسمية بحوالي 240 ميغاوات، حسب التقارير الرسمية).
كثيرة هي المؤشرات المتراجعة والتي تنبئ بتراجع النمو الاقتصادي إلى ما دون 1.5 في المئة، أو ما يقارب 2 في المئة بالنظرة التفاؤلية لبعض المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية، وهو أمر محكوم بعوامل عدة وتطورات غير معروفة النتائج حتى الآن. هذا من دون التطرق إلى الأزمة المعيشية والاجتماعية والمطالبات التي ستبرز تباعاً، من قبل موظفي القطاع الخاص، بتصحيح الأجور نتيجة التضخم الذي لم يتوقف في السنوات الماضية استناداً إلى مؤشرات التضخم. وهو أمر قد يتبع مطالبات القطاع العام الذي يجد نفسه بحاجة لتصحيح الرواتب والدرجات عن فترات سابقة.
وحدها بورصة بيروت حققت تحسناً ملحوظاً من حيث حجم وقيمة التداولات، فيما بقي مثلث النمو الاقتصادي في لبنان الأكثر تراجعاً، ويمكن تعداد ذلك من خلال نتائج الربع الأول من السنة أو الثلث الأول، تبعاً للمتوافر من المعطيات، حسب التقارير الأولية من مصرفية وغيرها.
1- البداية من النتائج الايجابية للبورصة، التي تحركت على وقع ولادة الحكومة شبه الموحدة ولو مرحلياً. تفيد نتائج إحصاءات بورصة بيروت خلال الثلث الأول من العام 2014 أن التداولات حققت ارتفاعاً كبيراً، على وقع قيام الحكومة، وهو مؤشر جزئي ومرحلي، قد لا يدوم مع استمرار شبح الفراغ الرئاسي من جهة، واختلاف المواقف من انعكاسات سلسلة الرواتب للقطاع العام وعدم بتها في المجلس النيابي من جهة ثانية. في النتائج الأولية، فقد حققت بورصة بيروت حتى نهاية نيسان 2014، تداولات ما مجموعه حوالي 19.2 مليون سهم قيمتها حوالي 137.2 مليون دولار، مقابل تداولات للفترة ذاتها من العام 2013، بلغت حوالي 13.6 مليون سهم قيمتها حوالي 88.5 مليون دولار. أي بزيادة من حيث القيمة بلغت 55.04 في المئة، ومن حيث العدد حوالي 41 في المئة. أما القيمة السوقية للأسهم المدرجة فقد تراجعت قيمتها بنسبة بسيطة بلغت حوالي 0.15 في المئة، نتيجة تراجع أسعار بعض الأسهم الرئيسية، وعلى الرغم من تسجيل تحسن أسعار بعض الأسهم المصرفية تحسناً متفاوتاً.
2- كل عناصر النمو الاقتصادي في لبنان مضروبة في سنة استحقاقية على مختلف المستويات، لا سيما الرئاسية منها، والفراغ يغزو الإدارة العامة، كذلك قلة الانتاجية والفساد الذي بات أمراً واقعاً، وسياسة الابتزاز التي تهيمن على أكثر الممارسات والمعالجات، ما يضعف المالية العامة ويعزز نظرية افتداء الخلافات السياسية بالمال العام، من دون استثناءات تذكر.
3- البداية من موضوع عجز المالية، حيث زادت النفقات، خلال الفصل الأول من السنة حوالي 350 مليون دولار، مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2013، ما انعكس زيادة في العجز بحوالي 7.5 في المئة، خلال أقل من أربعة أشهر، ما يبشر بموازنة عجزها يفوق أو يقارب في أحسن الأحوال عجز موازنة العام 2013، الذي فاق 6150 مليار ليرة، وهو ما حذر منه صندوق النقد الدولي. وخفضت مؤسسات التصنيف ترتيب لبنان وزادت مخاطر مديونيته، نتيجة عدم التقيد بسقف العجز والإنفاق، وينسحب هذا الكلام على النصائح التي قدمها صندوق النقد، على سلسلة الرتب والرواتب وانعكاساتها على المالية العامة، حيث أيد تقرير اللجنة النيابية من حيث عدم تطبيق المفعول الرجعي للسلسلة وتطبيقها من 1-7-2014، وهو ما ترفضه هيئة التنسيق النقابية، التي تتمسك بالزيادة اعتباراً من 1-7-2013.
إلى ذلك، يضاف موضوع ارتفاع الدين العام في نهاية الفصل الأول، إلى حوالي 65.1 مليار دولار، مقابل حوالي 58.2 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام 2013، أي بزيادة نسبتها حوالي 11.8 في المئة، وهو نمو قياسي للدين العام، الذي زاد خلال العام 2013 حوالي 10.3 في المئة مقارنة بالعام 2012، وهو معدل قياسي أيضاً، مقارنة بالسنوات الطويلة الماضية، حيث كان النمو الاقتصادي يتخطى 7 و8 في المئة، وتتقلص معه كلفة الدين العام. أما إيرادات الموازنة العامة فهي لم تحقق زيادات تذكر خلال الفترة، ما يبشر بظروف اقتصادية ومالية تزداد صعوبة، نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي. وهذا يترجم في تزايد العجز الأولي بما يفوق الـ118 في المئة.
4- الملاحظة الأهم في تراجع المؤشرات، تكمن في تراجع الصادرات الصناعية اللبنانية خلال الفصل الأول من العام الحالي بحوالي 36.5 في المئة، وهي من المعدلات الأكبر في حركة الصادرات، التي عوض بعضها في الاستهلاك الداخلي للنازحين، من دون ان ينعكس ذلك تحسناً في الانتاج وعائدات ضريبة الاستهلاك، كما تشير نتائج الضريبة على القيمة المضافة، التي تراجعت بحوالي 2.5 في المئة خلال العام الماضي، والفترة الراهنة من العام الحالي. أما بالنسبة للصادرات الزراعية التي سجلت تراجعاً خلال الفصل الأول بحوالي 8.6 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2013، فهي كانت قد حققت بعض التحسن خلال العام الماضي مقارنة بالعام 2012. هذا الواقع جعل عجز الميزان التجاري، وهو الفارق بين الصادرات والمستوردات، يصل إلى حوالي 4.6 مليارات دولار، بزيادة قدرها 7.1 في المئة تقريباً.
5- بالنسبة لعنصر النمو الآخر بعد الصادرات اللبنانية، وهو قطاع السياحة، فقد تراجع حوالي 17 في المئة مقارنة مع الفصل الأول من العام 2013، الذي كان سيئاً ايضاً، إضافة إلى تراجع عدد المسافرين في مطار بيروت بحوالي 4.7 في المئة، بينما تزيد حركة البواخر والبضائع من مرفأ بيروت وتتراجع العائدات الجمركية، أو تستقر بزيادات لا تقارن بحجم المستوردات التي تفوق 21 مليار دولار سنوياً، وهو أمر يحتاج معالجة من نوع آخر، لتحسين العائدات بوقف الهدر في غير مكان.
6- يبقى الموضوع الأهم في تحريك العجلة الاقتصادية وخلق فرص عمل، وهو موضوع تراجع الاستثمارات العربية، وحتى اللبنانية، بنسبة كبيرة وصلت في بعض المناطق إلى أكثر من 60 في المئة خلال العام 2013، وهو أمر ما زال مستمراً نتيجة الظروف الداخلية، التي ارتبطت بالأزمة السورية التي زادت الانقسامات الداخلية، وانعكست على مناخ الاستثمار. مع كل ذلك فقد سجلت حركة الرساميل الوافدة، ومعظمها من تحويلات العاملين اللبنانيين في الخارج، زيادة حوالي 600 مليون دولار، بما نسبته حوالي 15 في المئة، وهي بلغت حتى نهاية الفصل الأول 4.9 مليارات دولار مقابل حوالي 4.3 للفترة ذاتها من العام الماضي. هذا الواقع انعكس تحسناً على ميزان المدفوعات الذي سجل فائضاً قدره حوالي 301 مليون دولار مقابل حوالي 62 مليوناً للفترة ذاتها من العام 2013.
7- أما القطاع المصرفي ونتائجه خلال الفصل الأول من العام الحالي، فقد سجل تراجعات ملحوظة في نموه مقارنة مع العام 2013، على الرغم من احتفاظه بمعدلات نمو تعتبر مقبولة في الظروف التشغلية الصعبة. فقد زادت الموجودات في القطاع المصرفي استناداً الى إحصاءات مصرف لبنان والميزانية المجمعة للمصارف حوالي 1.6 مليار دولار مقابل حوالي 3.5 مليارات دولار للفصل الأول من العام الماضي، أي بتراجع في نمو الموجودات حوالي 52 في المئة. بمعنى آخر، فقد نمت الموجودات حوالي الواحد في المئة مقابل 2.3 في المئة للفترة ذاتها من السنة الماضية. أما الودائع فقد زادت حوالي 347 مليون دولار، مقابل حوالي 3.1 مليارات دولار للفترة ذاتها من العام 2013، وهذا تراجع يفوق الـ88 في المئة في نمو الودائع الذي سجل 0.53 في المئة خلال الفصل الأول من العام الحالي مقارنة مع 2.5 في المئة للعام الماضي. أما التسليفات فقد زادت خلال الفصل الأول من العام الحالي حوالي 755 مليون دولار، مقابل حوالي 1260 مليون دولار للفترة ذاتها من العام الماضي، أي بتراجع نمو التسليفات حوالي 39.8 في المئة. هذا على الرغم من الحوافز والتسهيلات التشجيعية التي قدمها مصرف لبنان، بتخصيص حوالي 1200 مليار ليرة للتسليف الميسر وبفوائد مدعومة للقطاعات السكنية والإنتاجية والتعليم. وهذا مؤشر آخر على تراجع النشاط الاقتصادي المالي والمصرفي والإقبال على الاستثمار في ظل التردي في النشاط العام لمختلف القطاعات.
في الخلاصة، المؤشرات الاقتصادية عامة، باستثناء القطاع العقاري الذي يحافظ على استقراره، مع تحسن حركة المبيعات العقارية، التي بلغت قيمتها حوالي الملياري دولار، مقارنة مع حوالي 1.5 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام 2013، من هنا فإن العائدات المقدرة لتمويل احتياجات الدولة وضمنها سلسلة الرتب والرواتب لن تكون كافية، مهما كانت الصيغة التي ستقر بها السلسلة ومصادر التمويل، وبالتالي فإن وقف الهدر في العديد من الأمكنة التي تزداد اتساعاً لن يكون ممكناً، مع تزايد نمو الفساد والتهاون في إدارة المال العام، الذي سيواجه صعوبات ومخاطر أكبر في سنة الاستحقاق والفراغ والأزمات الاجتماعية والمعيشية، الذي يهدد الخزينة والقطاعات الاقتصادية والإنتاجية، في القطاعين العام والخاص من دون تفريق.