مقتطفات صحفية

 أصحاب مصانع ومحال ومطاعم يحزمون حقائب الهجرة 

 
 

القلق يغطي الأسواق

مخاوف من الدخول في دوامة كبيرة وبشعة (أرشيف ــ مروان طحطح)


«الشباب كلن في دبي». بهذه الجملة اختصر رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي بول عريس نتائج الأزمة المتواصلة في لبنان. آخر مراحلها هم «الانتحاريون». هي أزمة بلا أفق يخشى من أن تكون مؤلمة اقتصادياً. قد تغيب الكلمات المناسبة لدى الفاعلين في السوق، للتعبير عن المصير المجهول، لكن النتيجة واحدة: تكرّس اقتناع لدى الصناعيين والتجّار بأن خيار
الهجرة هو الخيار الأول

محمد وهبة - الأخبار

تركت التفجيرات الانتحارية التي استهدفت السفارة الإيرانية في بيروت، أول من أمس، مشهداً ضبابياً وإرباكاً في السوق. الكل يتحدث بقلق بالغ عن المرحلة الجديدة التي دخل اليها لبنان. مرحلة ستحمل تداعيات متزايدة في اقتصاد مأزوم أصلاً. يتفق أصحاب المؤسسات على أن المشهد الحالي غير مسبوق بعد، على الرغم من كل ما مرّت به البلاد حتى الآن. أما خياراتهم المتاحة فقد تجاوزت حالة التوتّر والاستنفار، وأصبحت تبدأ بدرس خيارات الهجرة المؤقتة ولا تتوقف عند حدود الهجرة الدائمة. بعض المؤسسات بدأت تزيد وتيرة صرفها للعمال، والبعض الآخر أوقف صفقات استيراد، وبعضهم ألغى التزامات... هذه الأجواء لم تكن سائدة قبل فترة حين كثر الكلام عن تسوية في المنطقة ومؤتمر يعقد في جنيف قد يؤدي إلى الاستقرار، لكن وصول التفجيرات الانتحارية إلى لبنان ليس أمراً عادياً يتفاعل معه اللبنانيون بتصلّب، بل هو واقع له تداعيات مختلفة.

السياحة في حالة هجرة

خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت المؤسسات السياحية، وهي الأكثر تأثّراً بتداعيات الأزمة السورية الجاثمة على صدر لبنان منذ ثلاث سنوات، قد انطلقت في رحلة الهجرة المؤقتة. لم تكن هذه الرحلة هي نتيجة طبيعية للاكتفاء السوقي في لبنان وحلم التوسّع بفعل النجاح والقدرة، بل جاءت تحت وطأة الأزمة وضغوط الانكماش المتواصلة وهرباً من الركود التام. في ذلك الوقت، كان الحديث عن الهجرة متداولاً من باب «النق»، لكنه أصبح اليوم الخيار الأول. فبحسب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي بول عريس، فإن أصحاب المؤسسات السياحية «ذهبوا كلهم إلى دبي. حلمهم الإغلاق والهجرة من لبنان. هناك قلق متزايد من الدخول في دوامة كبيرة وبشعة».
عن أي دوامة يتحدث عريس؟ «هي الدوامة التي بدأت ملامحها تظهر صباح أول من أمس حين أدّت التفجيرات الانتحارية إلى خضّة كبيرة بين المؤسسات السياحية، يقول لـ«الأخبار» «كانت هناك خطابات رنانة تبشّر بالحرب المقبلة، تلتها تحليلات عن ردود فعل مرتقبة على التفجير... كل ذلك ترك انطباعاً أن لبنان دخل في مرحلة حرب تفجيرات مختلفة عن منطق حرب الشوارع... المعنويات عاطلة».

«العرقنة» تشغل البال

الرؤية السلبية تشمل الجميع، «لا يمكن أن ندفن رؤوسنا في الرمال وأن نتغافل عن الحقيقة المرّة التي نمرّ فيها اليوم»، يقول رئيس هيئات أصحاب العمل عدنان القصار. الحقيقة المذكورة لا تتعلق حصراً بأصحاب المؤسسات السياحية، بل يتحدث عنها أصحاب المصانع ورؤساء اللجان التجارية في المناطق أيضاً، وهي تستند إلى قراءة التفجيرات الانتحارية الأخيرة. ووفق رأي نائب رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين وصاحب مصنع «OPP» لصناعة الورق، زياد بكداش، إن «ما حصل أول من أمس هو طريقة جديدة من العمل الأمني مختلفة عن السيارات المفخخة تنقلنا إلى عرقنة لبنان، ولهذا الأمر حسابات مختلفة اقتصادياً. الوضع النفسي للمؤسسات الصناعية في أدنى مستوياته، ولم تعد هناك أي حلول سوى الرحيل». إلى أين يمكن أن ترحل صناعات لبنان؟ يجيب بكداش: «لو رحلنا في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات لكنا تمكنّا من حجز مكان لنا في الأسواق، أما اليوم فالصناعات في البلدان العربية التي نفكر في الهجرة إليها طوّرت صناعاتها وبات صعباً إيجاد مكان مناسب، وليس هناك ما يمنع أن تتدحرج أي من هذه البلدان مثل البلدان التي تدحرجت. معظم الصناعيين ندموا اليوم على عدم التوسع إلى خارج لبنان».
في السياق نفسه، يقدّم صاحب مصنع الكرتون في بكفيا، فادي الجميل، صورة مختصرة عن الوضع. يقول الجميل، إن «كثرة الأزمات وتراكمها يحدّان من قدرة المؤسسات على المثابرة. مرّت علينا 30 سنة من المشاكل، إلا أن المشهد أصبح اليوم مرعباً».

ضمور وخيارات

إذا كانت هذه هي حال الصناعة، فماذا عن حال التجارة والاستهلاك؟ سريعاً، يجيب صاحب مؤسسات «ضيا ستور» يوسف ضيا، مشيراً إلى أنه يملك معملاً للخياطة ومحلاً لبيع الألبسة بالتجزئة، لكنه يفكر في «إغلاق المعمل ونقله إلى خارج لبنان». ويضيف أنه «منذ انفجار الرويس تقلّصت الحركة إلى حدودها الدنيا. ففي شارع معوّض وحده أغلق 20 محلاً تجارياً، وفي مناطق مختلفة من الضاحية الجنوبية أغلقت عشرات المحال. الناس يخافون من التجمّعات، وكل هذا الوضع يؤثّر على الحركة التجارية».
ضيا ليس وحده من يدرس خيار الهجرة من لبنان، «فهناك الكثير من التجار مثلي يدرسون خياراتهم في الاغلاق والانتقال من لبنان».
تداعيات ما حصل طالت عدداً من المولات والمؤسسات التجارية المعنية بالمواد الاستهلاكية أيضاً. فبحسب مصادر مطلعة، إن نسبة الحركة تقلّصت في بعض المولات التي تقع على أطراف بيروت بصورة ملحوظة، وهي كانت شهدت مثل هذا التدهور عندما حصل انفجار الرويس الذي خفّض حركة زوار المولات أكثر من 30% على مدى أسبوع كامل. أما التفجيرات الانتحارية، فهي بثّت رعباً أكبر.

عشية الأعياد

هذا المشهد يأتي مباشرة قبل فترة الأعياد التي تمثّل صلب الحركة التجارية، سواء لبيع الملابس أو الهدايا والألعاب، والحركة الفرعية الناشئة التي يستفيد منها أصحاب المطاعم والمقاهي... غير أنه كان لافتاً أن يطال القلق والأجواء السلبية حركة السوبرماركت. فبحسب رئيس نقابة أصحاب السوبرماركت نبيل فهد، فقد «اختف الناس وحركتهم فجأة، ونحن نسمع كلاماً كثيراً عن مخاوف من المستقبل والمصير المجهول. وفي مثل هذه الأجواء، إن المستهلك يعيش حالة قلق تدفعه إلى تركيز مشترياته على المواد الأساسية فقط وإغفال كل المواد الثانوية. هذه الأخيرة هي المواد التي ننتظر بيعها في مثل هذا الوقت من السنة، أي ابتداءً من اليوم حتى مطلع رأس السنة. فالشكولا والمشروبات الروحية والألعاب وسواها هي سلع ذات قيم أكبر وتحقق ربحية مرتفعة أعلى من باقي المنتجات الغذائية، وهي التي نعتمد عليها خلال هذه الفترة، وهي تحقق حجم مبيعات يوازي مبيعات شهرين في الأيام العادية».