مقتطفات صحفية

 جدل عقيم واقتصاد سقيم! - بقلم د. ماجد منيمنة  

 
 

لم تجد الأحداث التي تعصف بلبنان، إلى يومنا هذا, حكومة تنقذنا مما نحن فيه من أزمات سياسية وهزات اقتصادية واختراقات أمنية. وإن كان البعض يُجادل حتى اللحظة فيما إذا كانت السياسة هي التي تدير عجلة الاقتصاد أم العكس على مبدأ مَن قبل مَن الدجاجة أم البيضة؟ فإن معرفة نتيجة هذا الجدل العقيم ليس إلا مضيعة للوقت الذي يدفع ثمنه المواطن اللبناني من مدخراته الخاصة.
إن السياسة الاقتصادية التي تدور بين أخذ وردّ تشبه إلى حد ما ارتدادات الصوت في بئر عميق وبالتالي هي تكرار لسياسات رديئة ومتشابهة!! لا أحد ينكر بأن الشعب اللبناني هو شعب عظيم, استطاع ان يصنع الكثير من الانجازات في الماضي حيث سجل اروع صور التضحيات… لكن نقولها بكل مرارة ان الشعب اللبناني صاحب الانجازات والتضحيات الكبرى وصاحب المبادرات والصمود والتحدي أضحى شعب عقيم, لم يستطع أن ينجب قيادة تقوده إلى بر الأمان، على الأقل في التاريخ الحديث ومنذ خروج المستعمر السوري من أرضه وحتى الآن, وذلك بسبب تعرضه لنكبات كثيرة وانتكاسات خطيرة ذهبت بكل الإنجازات التي صنعت فأصبحت في مهب الريح.  وأضحى هذا الشعب العظيم يتجرع مرارة أخطاء قياداته لسنوات طويلة. وللأسف لا يزال هذا الشعب رهينة لتلك القيادات التي أوصلته إلى المهالك وتتلاعب بتضحياته من أجل تحقيق مصالحها والعودة إلى الواجهة من جديد.
المحزن المبكي أن هذا الشعب العظيم لم يستيقظ من كابوس أخطاء هذه القيادات ربما لهول الصدمات التي تعرض لها أو لأنه شعب عاطفي في المجمل يريد أن يوصل أي مسؤول إلى سدة الحكم باعتقاده انه قادر أن يخرج البلد من المأزق الاقتصادي الذي هو فيه، ولأن هول الصدمة أنساه أن صانع المشاكل لا يمكن أن يكون سبباً في حلها!!. هكذا يقول المفكّرون والمبدعون على الدوام، ونحن بسبب عاطفتنا الطائفية والعشائرية,  نريد من صانعي نكبات الوطن أن يخرجونا منها!!
حالة التشويش والضبابية حول مستقبل البلد المالي والاقتصادي والأمني، التي يبدو أنها مشهد حكومي مقصود ودائم، تتطلب تحركاً شعبياً وبرلمانياً سريعاً، والأهم ايجاد حوار نحن بحاجة ماسة إليه. وتثار تساؤلات حول مستقبل لبنان من عدة جهات رسمية خاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تعزز مقولتها بأن الاقتصاد اللبناني وقع بالمحظور والاحتمالات الكارثية لمستقبل لبنان قد سرّعت من تواجده على شفير الهاوية، بينما تتجاهل الحكومة الرّد أو التوضيح وتترك اللبنانيين يهيمون في الأرض ويبحثون عن فروع البنوك الأجنبية لوضع الودائع ومدخراتهم تحسباً للمستقبل المشؤوم المرتقب ولإيجاد شبكات أمان لهم ولعائلاتهم، بينما يبحث المستثمر عن المشاريع الخدماتية والاستهلاكية والمضاربية ذات الربح السريع التي تمكنه من إخراج أمواله بسرعة إلى خارج البلاد في حال حصول المحظور.
وفي خضم هذا الوضع الاقتصادي السيئ والتحدي المالي المرير الذي يمسّ لقمة عيشنا، ألا يستدعي كل ذلك حوارا وطنيا موسعا يوصلنا إلى حلول تتعلق بسبل حياتنا الاقتصادية، ما دمنا مقبلين على سنوات عجاف، كما تقول المنظمات الدولية، من دون أن تنفي ذلك مؤسساتنا الرسمية، وكذلك اللجوء إلى البحث في قضايا اقتصادية كبيرة مثل اعداد الموازنة وخفض الضرائب والرسوم وانتهاج برنامج ضمان صحي واجتماعي يليق بالفرد، والمسارعة إلى  لجم تنامي التضخم والسيطرة على هروب رؤوس الأموال إلى خارج حدود البلد، وكل هذه المخاطر أليست أحرى بحوار وطني ينعكس في تشريعات اقتصادية عاجلة لحفظ قوتنا الاقتصادية في المنطقة عوضاً عن الجدل السياسي العقيم والتحدي العبثي بين كتل سياسية واقتصادية همّها الأول القبض على مقدرات بلد بينما يتجه الاقتصاد الوطني نحو الهاوية كما تشير الجهات الدولية التي لم تكذبها اية جهة رسمية لبنانية حتى الآن؟
أخيراً .. أطلقت الهيئات الاقتصادية «صرخة الغضب التحذيرية, ليبقى بلد واقتصاد، وأعلنت انها البداية لتحركها التحذيري وستليه سلسلة من التحركات التصعيدية. وصرحت بأنه لا يمكن ان نستمر في تلقي الضربات، في حين يُطلب منا القيام بواجباتنا وكأن البلد والاقتصاد بألف خير».
أما نحن فبدورنا كتبنا ونادينا وصحنا مرّة تلو الأخرى، وعام بعد عام لهؤلاء القيادات الذين يتولون سدة الحكم من قريب وبعيد, ان يتفقوا رحمة بالشعب وتقديراً لتضحياته وأن يحترموا المواطن اللبناني لتسامحه معهم ولصبره عليهم!! لكن لا حياة لمن تنادي, لا الشعب استطاع أن يُنجب قيادات على قدر المسؤولية ولا القيادات المنتفعة هذه احترمت رغبة المواطن وكانت عند عظمة الشعب اللبناني. لذلك سنظل ندور في حلقة اقتصادية مفرغة لا نعرف متى ننتهي منها إلى أن تعود هذه القيادات إلى رشدها وتضع نصب أعينها مصلحة الوطن والمواطن فوق مصالحها الآنية والشخصية. وإذا ظل الشعب مضللاً ومُساقاً من قبل قيادته من دون اية مساءلة, سوف يظل هؤلاء الممسكون بمقدرات الوطن يأكلون اللحم ويرمون العظم لمواليهم ويتقاسمون الغنائم في ما بينهم, بينما يحتضر المواطن الصالح لأنه لم يتعوّد يوماً أن ينكّس رأسه إلا لخالقه سبحانه وتعالى!! فهل من يتّعظ؟.

* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.