الأخبار

 نص مداخلة الحاج أبو طلال في النبطية  

 
 

نص مداخلة رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان السيد حسن فقيه
تحت عنوان: «تطوير المناهج التربوية وربطها سوق العمل»
«ابرز المهن التي يتطلبها سوق العمل في لبنان وعلاقاتها بالاختصاصات الموجودة»
بدعوة من نادي النجاح في الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم AUCE
وجمعية المركز الدولي للتنمية والتدريب والتأهيل برعاية معالي النائب ياسين جابر
قاعة المحاضرات في الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم النبطية – السبت 29 شباط 2020

- حضرة راعي هذه الندوة الفكرية معالي الأستاذ ياسين جابر،
- السيدات والسادة في نادي النجاح في الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم AUCE وجمعية المركز الدولي للتنمية والتدريب والتأهيل،
- الحضور الكريم،

إسمحوا لي أولاً أن أتقدّم بالشكر من راعي هذه الندوة معالي الأستاذ ياسين جابر الذي عوّدنا دائماً على المبادرة الدائمة في رعاية ودعم النشاطات الفكرية والورش التنموية على أنواعها وكذلك أن أتوجه بالشكر لمنظمي هذه الندوة لدعوة الاتحاد العمالي العام بشخص رئيسه للمساهمة المتواضعة فيها.


السيدات والسادة الأعزاء،
 انطلاقاً من تقديرنا العالي لأهمية هذه الندوة، وخصوصاً لهذه النخبة من القيادات التربوية والتعليمية المساهمة في أعمالها وبشكل خاص للحاجة الدائمة للتوصّل إلى أفضل المعارف والسبل العلمية لمعالجة هذه المشكلة البنيوية في العلاقة بين المناهج التربوية وسوق العمل، انطلاقاً من كلّ ذلك قام الاتحاد العمالي العام بإعداد دراسة أولية متواضعة كمساهمة منه وكواجب عليه في الانخراط بالتفكير الجدّي في هذا الحقل التنموي والاجتماعي الذي أصيب بأمراض عديدة سواء على المستوى التربوي أو فيما يتعلق بسوق العمل، وما أدّت إليه هذه الأمراض إلى حالة من التدهور المريع والمرير التي يعيشها بلدنا اليوم، وكنتيجة لمجمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية خصوصاً خلال السنوات الثلاثين الماضية على الأقل التي تجسّدت في نموذج اقتصادي هشّ نتجت عنه أزمة بنيوية حادّة وانفصام وانفصال بين المناهج التربوية وسوق العمل وحاجاته الفعلية. وسأحاول تلخيص مضمون هذه الدراسة وتحديد موقف الاتحاد العمالي العام من الموضوع في الوقت المتاح لي كما سأضع هذه الدراسة بين أيديكم.

الأخوات والأخوة الكرام،
قبل أن نتحدّث عن « تطوير المناهج التربوية وربطها بسوق العمل» علينا جميعاً أن ندرك عن أي سوق عمل راهن نتحدّث بل أساساً عن أي سياسات اقتصادية بناها النموذج الراهن والقائمين عليه، وكذلك عن أي سياسة تنموية وتشغيلية مطلوبة للخروج من هذا المأزق المزمن.

ولن أخوض كثيراً في السياسات التربوية والمناهج ودور الدولة والجامعة الوطنية والجامعات الخاصة والمدارس الرسمية والخاصة التي تضمنتها دراسة الاتحاد ومقاربته لها، بل سأترك للأساتذة والخبراء معالجة هذا الجانب وسأركّز على موضوع سوق العمل، أي البنية الاقتصادية القائمة والحلول المطلوبة وليس الاكتفاء بالمتاحة فقط.

لقد مال بناة الاقتصاد اللبناني منذ ما قبل الاستقلال وبعده من سياسيين ومتمولين كبار إلى حصر هذا الاقتصاد في قطاعات محدّدة مثل القطاع المصرفي والمالي والقطاع العقاري وقطاع الخدمات السياحية وهي في معظمها قطاعات ريعية وربوية وهشة في نفس الوقت وذلك على حساب الصناعة والزراعة وقطاع التكنولوجيا والمعلومات خصوصاً بعد نهاية الحروب في لبنان وعليه، وهذا ما جعل منه اقتصاداً مشوهاً ووحيد الجانب.
فالقطاع المصرفي الذي لطالما تغنّى به أصحاب النموذج واعتبروه درّة الشرق ومصرف الشرق بحيث تضخم عدد المصارف والشركات المالية وتوسّع دورها عربياً ودولياً انهار في الأشهر الأخيرة دفعةً واحدة كتمثال من رمل وليس كمثال يحتذى به. والقطاع السياحي والخدمات فقد دوره وأقفلت معظم مؤسساته عند أول اضطراب أمني لأسباب خارجية أو داخلية، والقطاع العقاري لم يتعلم من الأزمة التي شهدها العالم كلّه في خريف العام 2008 حيث يتبيّن أنه ليس سوى فقاعة مالية خلقتها المصارف فأصابت شظاياها غالبية أصحاب الدخل المحدود والمتوسط وتدخلت الدول الرأسمالية الكبرى ومصارفها المركزية لإنقاذ أصحاب المصارف ومدرائها وإعادة تمويلها وتعويمها على حساب الناس من عمال وموظفين وصغار المالكين والمستأجرين كما هو حاصل اليوم في لبنان بعد إقرار قانون إيجارات تهجيري لصالح أصحاب شركات التطوير العقاري وشركائهم في السلطة وخصوصاً وقف تمويل القروض السكنية منذ أكثر من عام وخلق فوضى اجتماعية عارمة.

ماذا نتج عن كلّ ذلك؟
أزمة بطالة مزمنة وفي غياب الشفافية والمعلومات وصعوبة الوصول إليها مع أنّ المجلس النيابي أقرّ قانوناً بحقّ إطلاع الناس عليها فإنه إضافةً للعمال والموظفين الذين يصرفون من أعمالهم ووظائفهم سواء بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة أو المزاحمة غير المشروعة في بعض القطاعات من قبل العمال غير اللبنانيين والتي يتحمّل مسؤوليتها الدولة بسبب عدم تنظيم العمالة الأجنبية أو جشع العديد من

أصحاب العمل لتعظيم أرباحهم بحيث باتت تتحدث الأرقام غير الرسمية عن مئات الآلاف من العاطلين عن العمل وخصوصاً بين الشباب وخريجي الجامعات والمعاهد والكليات ومعاهد ومدارس التعليم المهني والتقني المنتشرة كالفطر. وتشير آخر الأرقام عن هجرة نحو 66 ألف معظمهم من الشباب وذلك حتى تشرين الثاني 2019 في حين كان العدد في سنة 2018 لا يتجاوز ال33 ألفاً!!!

كلّ ذلك، مقابل تصديرنا لشبابنا الذين أنفقنا جنى العمر لتعليمهم وتأهيلهم إلى الخارج للحصول على فرص عمل لائقة ولو بالحدّ الأدنى نستورد أكثر من 220 ألف عاملة وعامل، خصوصاً منهم العاملات المنزليات في بلد عدد سكانه لا يتجاوز 4 ملايين نسمة يضاف إليهم عدد أكبر (وهنا لا نضمّ أعداد العمال السوريين والفلسطينيين الذين يحتلّون سوق العمل في أكثر من قطاع حيوي) يعملون في العديد من القطاعات وفي مختلف المناطق اللبنانية.

إنّ إعادة بناء نموذج اقتصادي قابل للحياة والاستمرار مكان هذا النموذج يعطي الأولوية فيه للصناعة والزراعة والتجارة والخدمات التعليمية والصحية والإعلامية وسواها من القطاعات المنتجة والتي تستوعب أعداد العاطلين عن العمل ووقف هجرة الشباب أو الحدّ منها على الأقلّ. إنّ هذا الأمر يتطلب بصراحة وصدق بناء دولة وسلطة جديدة تقوم بوضع خطط إصلاحية جذرية في مجمل نواحي حياة المجتمع وتؤسس للمستقبل. وهذه مسألة مطروحة بحدّة اليوم مع الفشل الذريع وانسداد آفاق النظام السياسي الطائفي والمذهبي الذي تغيب عنه المواطنة وتحضر فيه المحاصصة والزبائنية ويغيب فيه أساساً رجالات دولة في معظم المستويات السياسية والإدارية.


السيدات والسادة الأعزاء،
بالعودة الى أساس الموضوع ومن أجل ردم الهوّة ما أمكن بين التربية وسوق العمل وخلال الكفاح من أجل التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي ترتكز مقاربتنا على المهن المطلوبة التالية:
o الهندسة المعمارية والمدنية
o هندسة الميكانيك
o هندسة البترول على أمل بداية البحث واستخراج البترول في لبنان حيث يؤمن فرص عمل كثيرة
o وهناك وظائف أخرى:
o المحاسبة وتدقيق الحسابات التابعة لكلية إدارة الأعمال
o اختصاص المساحة
o التمريض (هناك نقص كبير في هذا الاختصاص)
o الحقوق حيث نستطيع من خلاله التقدم إلى كتاب العدل والقضاء والضباط ورؤساء الدوائر ورؤساء الأقلام وأستاذ في التعليم الثانوي وغيرها من الوظائف.
o اختصاص التصميم الغرافيكي
o علم التغذية
مع الإشارة إلى أن الوظائف المتعلقة بالاختصاصات المهنية والعلوم التطبيقية هي في حاجة إلى أعداد كبيرة لسد النقص في هذه المجالات:
o عمّال متخصصين في فنون الطهو


o النجارة
o التدفئة والتبريد
o ميكانيك سيارات وكهرباء
o ميكانيك صناعي
o وغيرها من المهن التقنية والفني

• الدور التوجيهي للأهل والمدرسة والجامعة:
مسؤولية التوجيه تقع على الأهل والمدرسة والجامعة معا، كل طرف يتحمل جزءا من المسؤولية:
o في ما خصّ الأهل يجب عليهم مساندة أولادهم دون الضغط عليهم لاختيار الاختصاص، لأننا نرى عددا كبيرا من الأهل هم من يقومون بطرح الأسئلة عن أولادهم وهم من يقررون أي من الاختصاصات هو الأفضل، بالرغم من وجود متخصصين يقومون بشرح كل النقاط المتعلقة بسوق العمل، نجد في النهاية أن الأهل هم الذين يحددون اختصاص أولادهم وهذا ما ينعكس سلبا عليهم في الجامعات حيث نجد عددا كبيرا من الطلاب يضيّعون سنة أو أكثر من حياتهم ومن ثم ينتقلون إلى الاختصاص الذي يريدونه هذا إذا لم يتركوا الجامعة نهائيا ويتحولون الى أمور أخرى.
o أما في ما خصّ المدارس فهي تتحمّل مسؤولية كبيرة من خلال اختيار الجامعة التي ستقوم بعرض ما لديها من اختصاصات أمام طلاب المدرسة، على أن تتمتع بمستوى جيد وسمعة حسنة وتكون الاختصاصات لديها مستوفية للشروط القانونية التي تضعها وزارة التربية من ناحية التصديق والمعادلة.


إن حل مشكلة التعليم العالي وسوق العمل في لبنان لا تبدأ من الجامعة بل تبدأ من مراحل التعليم الثانوي. فليس مقبول أن يتخرج من ثانوياتنا طالب لا يستطيع أن يحدد ميوله وقدراته العلمية، أو لا يمتلك مهارات

التفكير السليم وأخذ القرار المناسب، أو ليس لديه فكرة عن الاختصاصات في لبنان ماهيتها، مواد التدريس، مجالات العمل، المهارات والقدرات التي تطلبها.
تكمن مسؤولية الجامعات من خلال مواكبة سوق العمل والاطلاع على واقع التوظيف والوظائف ليتم تحديد جدول بالاختصاصات حسب الأولوية، وكلّ ذلك يحتاج الى العمل لقيام دولة حقيقية وسوق عمل منتج وثقافة مغايرة للسائد.

وشكراً لكم جميعاً.

رئيس الاتحاد
حسـن فقيـه