الأخبار

 عرسال: 12 طفلاً قضوا في 45 يوماً  

 
 

موت الملائكة في عرسال: 12 طفلاً قضوا في 45 يوماً

 
وضع صحي مأسوي للاجئين الموجودين في جرود عرسال (هيثم الموسوي)


الطابع الأمني الذي صُبغت به عرسال جعل الجميع ينسى أن هناك 80 ألف لاجئ يعيشون في ظروف مناخية وصحية قاسية. خلال شهر ونصف شهر، مات 18 لاجئاً في عرسال، بينهم 12 طفلاً، لم نسمع عنهم شيئاً. المنظمات الدولية انسحبت من البلدة منذ آب الماضي، للظروف الأمنية نفسها، تاركةً خلفها أبرياء يقضون واحداً تلو الآخر بصمت

إيفا الشوفي - (الأخبار)


أول من أمس، مات خ. ف. ابن الـ 14 عاماً؛ لنسمّه «خالد». قبله ماتت ف. ح. طفلة في يومها الثامن عشر، لم يتمكن أحد من نقلها إلى خارج عرسال. طفلة أخرى رأيناها تحتضر بعدما عاشت سبعة عشر يوماً فقط، هذه لم نسأل عن اسمها، وجهها وحده يكفي لأن نسميها «ملاك»، وُلدت في خيمة، ماتت من البرد، ومات آخرون غيرها. أربعة أطفال سوريين ماتوا في عرسال هذا الأسبوع، هذا الأسبوع فقط!

منذ بداية هذا الشهر الى اليوم، مات 11 لاجئاً في عرسال، من بينهم 9 أطفال، لينضموا إلى 7 آخرين قضوا الشهر الماضي. نتحدث هنا عن 18 حالة وفاة خلال شهر ونصف شهر، منهم 12 طفلاً. أن يموت 12 طفلاً ويُكمل الناس حياتهم بشكل اعتيادي، فهذه مأساة للإنسانية قبل أن تكون مأساة للاجئين أنفسهم. هذه الأرقام مرشّحة للازدياد بالتأكيد، إذ إنها تقتصر فقط على مستشفى الهيئة الطبية في عرسال، ما يعني أن عشرات «الملائكة» يموتون من دون أن نسمع عنهم. غريبٌ جداً أن يمر موت هؤلاء الأطفال من دون الضجة التي اعتدناها، ضجة لم تكن تؤدي فعلياً الى أي نتيجة، إنما وجود من يصرخ في وجه هذا الموت هو أمر لا بد منه، أمر يخبرنا أن هناك نبضاً في هذا العالم. غياب هذه الصرخات اليوم قتل هذا النبض.


هذه الأرقام أعلنها الدكتور قاسم الزين مسؤول الهيئة الطبية في عرسال. يؤكد الزين أن الوضع الصحي في عرسال كارثي، مشيراً إلى أن هذا العدد هو فقط عدد الوفيات الذين قضوا في مستشفى الهيئة. الصادم في الأمر أن هذه الحالات جميعها موجودة داخل عرسال وليس في الجرود، ما عدا حالة واحدة أتت من الجرود للعلاج في مستشفى الهيئة. ثلاثة أطفالٍ ماتوا هذا الشهر بسبب التهاب بالرئة جراء البرد القارس، يقول الزين. يتحدث تقرير الهيئة عن «ملاك» التي وُلدت في خيمة، في الجرود، ابنة الـ 17 يوماً دخلت المستشفى صباح الثالث من هذا الشهر بسبب البرد، استطاع جسدها الصغير أن يشفع لها عند الحاجز لتصل إلى المستشفى. لم يكن هناك حاضنة فارغة لاستقبالها «فأحالتها الهيئة إلى الداخل اللبناني، إلا أن حاجز اللبوة منع ذويها من الدخول، فعادت الى مستشفى الهيئة بإمكانياته المتواضعة لتلاقي حتفها الساعة الثانية ظهرا». الطفلة الصغيرة لم تحتمل أكثر، ماتت «ملاك». اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية العاملة في عرسال يقول إن تعامل الجيش يختلف حسب الوضع الأمني، إلا أنه في أغلب الأحيان يسمح بتمرير شحنات الأدوية بعد التحقق منها.

سُجّلت الشهر الماضي 24 إصابة بين الأطفال بفيروس النكاف
«خالد»، مات أول من أمس نتيجة قصور حاد في الكلى. أما الأطفال الخمسة الآخرون فماتوا جراء تشوّه خلقي عند الولادة في الجمجمة والأطراف، وفق ما يقول الزين. تُطرح هنا مخاطر جدية عن أسباب هذه التشوهات، إذ يؤكد الزين عبر الملاحظة، أنه في بدايات الأزمة وتدفق اللاجئين، «كنا نحصي بمعدل حالة تشوه خلقي واحدة بالشهر، أما اليوم فقد ارتفع المعدل إلى 4 حالات شهرياً». لا يجزم الزين بأسباب هذه التشوهات، لكنه يقول إن «نسبة كبيرة من النساء كنّ في سوريا في بدايات الحمل، لذلك أتوقّع أن تكون هذه التشوهات ناتجة من المواد المستخدمة في القصف». الوضع الصحي في عرسال كارثي، إلا أن هذا لا يشكل حافزاً للمنظمات الدولية من أجل العودة الى البلدة لإنقاذ الكثير من اللاجئين الأبرياء. منذ فترة، انتشر مرض التهاب الكبد الوبائي في عرسال، حيث سُجلت إصابة أكثر من 150 لاجئاً، ليتبين أن السبب الأساسي يعود إلى تلوث المياه. اليوم يتحدث الزين عن «بداية انتشار لفيروس النكاف بين الأطفال، إذ سُجّلت الشهر الماضي 24 إصابة بالفيروس. الظروف السيئة من برد وتغذية سيئة وقلة نظافة واكتظاظ في الخيم، تؤدي إلى تفاقم الحالات فتصل إلى التهاب بالخصية، البنكرياس…». قبل الاشتباكات التي حصلت في آب الماضي، كانت الهيئة قادرة على تأمين 90% من الأدوية التي تحتاج إليها، أما اليوم فهي بالكاد تؤمن 40% بسبب خطورة التنقل.
مصدر طبي في الجرود، يتحدث عن وضع صحي مأسوي للاجئين الموجودين هناك، «بعض الأطفال والنساء مرضى وبحاجة ماسّة للدخول إلى عرسال. هناك انتشار كبير لأمراض الربو والتهاب القصبات، هذا عدا عن الأنفلونزا والرشح». نقص هائل في الأدوية يعاني منه اللاجئون في الجرود. أما عن حالات الوفاة، فقد سُجلت حالة وفاة واحدة أثناء العاصفة، وفق كلام المصدر.


مفوضية شؤون اللاجئين تقول إنها على تواصل دائم مع المستشفيات الميدانية والمستوصفات في عرسال، وتمدّهم بالأدوية واللقاحات عبر شركائها. تؤكد مسؤولة العلاقات الخارجية في المفوضية لمنطقة البقاع، ليزا أبوخالد، أن المفوضية تقوم بتحويل الحالات الحرجة إلى المستشفيات المتعاقدة معها، لكن في بعض الأحيان الأهل لا يذهبون بسبب خطورة الطريق، رافضةً ذكر أي حالات وفاة سوى طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات لم يستطع أهلها أن ينقلوها الى المستشفى الذي حددته المفوضية. علمت المفوضية بحالتين فقط بفيروس النكاف، وتعلن أبوخالد ان لقاحات هذا الفيروس موجودة في مستوصف مؤسسة عامل في عرسال، وكذلك في العيادات المتنقلة داخل البلدة.


بلغ عدد الأشخاص الساعين للهجرة غير الشرعية هذا العام نحو 384 ألف شخص. وقد عبر أكثر من 207 آلاف شخص البحر المتوسط منذ مطلع كانون الثاني، أي نحو 3 أضعاف العدد الإجمالي المسجل في 2011 والبالغ 70 ألفاً عندما كانت الحرب الأهلية الليبية في ذروتها. ولأول مرة، شكل القادمون من البلدان المصدرة للاجئين مثل سوريا وإريتريا، عنصراً رئيسياً في هذا التدفق المأسوي ليبلغ 50% من المجموع. وقد حصلت مفوضية شؤون اللاجئين على معلومات تفيد بخسارة 4,272 لأرواحهم هذا العام، 3,419 منهم في البحر المتوسط، ما جعله الطريق الأكثر فتكاً على الإطلاق.