مواقف صادرة عن الأتحاد

 ورقة العمل المقدمة من رئيس الاتحاد في شرم الشيخ 

 
12/24/2014

ورقة عمل رئيس الاتحاد العمالي العام السيد غسان غصن
خلال مشاركته في الندوة القومية حول: «دور تشريعات العمل في تعزيز الحوار الاجتماعي»
شرم الشيخ – 15 – 17/12/2014


- السيدات والسادة الحضور – الكوادر النقابية العمالية العربية،
- السادة الخبراء،


مقدمة
يسعدني بدايةً أن أشارك في أعمال هذه الندوة المتخصصة حول «الحوار الاجتماعي في ظل التحديات الاقتصادية» شاكراً منظمة العمل العربية وفي طليعتها معالي المدير العام للمنظمة الدكتور أحمد محمد لقمان وكوادره الفتية والإدارية لسعيهم الدؤوب من أجل تعزيز الحوار الاجتماعي بين الشركاء الاجتماعيين وتناول أهم الموضوعات التي تتيح الفرص لاستشراف الرؤية المشتركة لمستقبل الوطن العربي الذي نتطلّع أن يكون حرّاً مستقبلاً واعداً بما فيه خير للأمة ورفاء مجتمعاتها.
ذلك من خلال حوار اجتماعي ينظّم العلاقة بين أطراف الإنتاج بواسطة التشريعات والقوانين التي ترعى المصالح المشتركة حيناً والمتضاربة حيناً آخر لأطراف الإنتاج بما يؤمّن التوازن فيما بينهما سعياً لتأمين العدالة الاجتماعية من خلال تشريع قوانين تحقّق مصلحة المجتمع العليا.
ورقة عمل حول دور تشريعات العمل في تعزيز الحوار الاجتماعي
يستدعي موضوع الحوار الاجتماعي اهتماماً كبيراً في كافة دول العالم وقد أتت أهمية هذا الحوار في الحقبة الأخيرة على مختلف المستويات الدولية والإقليمية والعربية وخصوصاً الوطنية في منطقتنا العربية لا سيما بعد التطورات التي أعقبت بما سمي «الربيع العربي» و «الفوضى الخلاقة» وأدّت إلى تغييرات خطيرة في معظم الدول العربية وصلت في بعض الأحيان إلى اقتتال دموي قارب الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة حتى بلغت الانقلابات المجتمعية الخطيرة.
ممّا دفع حكومات الدول العربية إلى تفعيل الحوار الاجتماعي بحيث يتلاءم مع التشريعات الوطنية بما يؤمّن التوازن بين التنمية والاقتصاد من جهة والحماية الاجتماعية من جهة أخرى ذلك أنّ الحوار الاجتماعي هو السبيل المجدي في مواجهة الانعكاسات والتداعيات الرديئة السيئة للاقتصاد الليبرالي الرأسمالي المتفلّت من الضوابط الاجتماعية بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة وتعاظم أعداد الفقراء وانعكاسها على الأمن والسلم الاجتماعيين.
وقد برزت الدعوة إلى الحوار الاجتماعي في أعمال مؤتمرات منظمة العمل العربية وكذلك في المنتديات العديدة التي دعت إليها في عواصم أقطارنا العربية خصوصاً منتدى العمل العربي للتشغيل الذي انعقد في بيروت عام 2009 وكذلك منتدى الرياض للتنمية والتشغيل الأول العام 2010 والثاني العام 2014 بمشاركة أطراف الإنتاج الثلاث من الحكومات ووزراء العمل ومنظمات أصحاب الأعمال والاتحادات النقابية القطرية العمالية وبرعاية ملوك ورؤساء الدول العربية بالإضافة إلى عشرات الندوات القومية والقطرية وذلك من أجل تعزيز الحوار الاجتماعي والبحث في سبل تطويره وتفعيل دور التشريعات الوطنية لمأسسة حوار اجتماعي بناء بين ممثلي أطراف الإنتاج الثلاث وذلك من أجل إنارة طريق المستقبل في ظلّ ظلمة التحولات والمنعطفات الاقتصادية والاجتماعية وتداعياتها العميقة التي يشهدها عالمنا العربي اليوم.
ومن أجل توفير ركائز الحوار الاجتماعي لا بدّ أن ننطلق بدايةً من تأمين أرضية صلبة لهذا الحوار بدءاً من تطوير تشريعات العمل وتحديثها كي تتواءم مع معايير العمل العربية والدولية. إذ لا يمكن الحديث عن الحوار الاجتماعي الحقيقي ما لم تتوفّر له الدعائم الأساسية من تشريعات العمل الوطنية وعلى وجه التحديد الركيزة الأولى والأهمّ وهي ضمان واحترام الحريات النقابية حيث لا يمكن أن يقوم حوار بناء بين الحكومات وأصحاب العمل والعمال ما لم تتوفّر لهذه المنظمات النقابية المشروعة التي يقرّها القانون معترف بها وتتمتع بالقدر الكافي من الحرية في ممارسة نشاطها النقابي بما يكفل لها الحقّ بالتنظيم النقابي وحق التفاوض الجماعية واحترام حق التعبير الديموقراطي بمختلف أشكال وسائل التعبير في التجمّع والتظاهر والإضراب.
وذلك من خلال إصدار سنّ تشريعات وقوانين عمل جديدة وإحداث هياكل فاعلة للحوار ومن أجل تشجيع الحوار الثلاثي وتفعيل المفاوضات الجماعية وهي جوهر الحوار الاجتماعي بما يتميّز به من مشاركة فعلية لأطراف الإنتاج في تحديد علاقات العمل القائمة بينهم ولما لها من انعكاسات إيجابية على تطوير التشريعات العمالية وتحسين شروط وظروف العمل والحفاظ على سلامة المناخ الاقتصادي والاجتماعي حيث أنّ عقود العمل الجماعية تتقدّم على القانون العام بما تقدّمه من ضمانات وعطآات وشروط أفضل للعمل في إطار الاتفاق الثنائي ما بين المتحاورين بحيث بات حقّ التفاوض الجماعي هدفاً من الأهداف الأساسية لمنظمتي العمل العربية والدولية من أجل اعتماده في كافة القوانين الوطنية للعمل.
إنّ مظلة تشريعات عمل واضحة هي شرط أساسي من شروط الحوار الاجتماعي ذلك أنّ الحوار الاجتماعي لا يمكن أن يستند فقط على رغبات الأطراف وحسن النوايا أو حلّ المشاكل الطارئة بل يجب أن تضمنه التشريعات العمالية - الوطنية سواء كانت تلك التشريعات متعلقة بكلّ طرف على حدى أو متعلقة بعملية تنظيم الحوار وتحديد أدواته وآلياته وكيفية إدارته. فالمفاوضات الجماعية هي عنصر أساسي من عناصر الحوار الاجتماعي فإذا كانت عملية التفاوض الجماعي غير مضمونة في تشريعات وقوانين العمل فإنّ الحوار لا يمكن أن يتقدّم ويحقّق أهدافه.

كما أنّ الحوار الاجتماعي الحقيقي يتطلّب وجود أطراف إنتاج حقيقيين متضامنين وموحّدين فالنقابات العمالية الضعيفة والمشرذمة غير الممثلة تمثيلاً فعلياً وصحيحاً للعمال تصبح غير مؤهلة للمشاركة في عملية الحوار ولا تحظى بالموقع المؤثر والفعال لدى أطراف الانتاج الآخرين الدولة وأصحاب العمل والتي تعتبر العنصر الرئيسي في إدارة الحوار الاجتماعي الذي ينظمه القانون من خلال تشكيل لجان الحوار الخاصة بكل موضوع كتحديد الحدّ الأدنى للأجور وزيادة غلاء المعيشة من خلال لجنة ثلاثية متخصّصة كما هي الحال في لبنان حيث تدعى لجنة مؤشر غلاء المعيشة وزيادة الأجور لتبحث بشكل دوري أو كلّما دعت الحاجة نسب غلاء المعيشة وتقلبات الأسعار من أجل تصحيح الأجور وفقاً لزيادة معدلات التضخم وكذلك التشريع الخاص المتعلق بالحوار المستدام حول الأمور المتعلقة بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي والمتصلة بعلاقات العمل في لجنة معيّنة يرأسها وزير العمل وتضمّ ممثلين عن أصحاب العمل والعمال وكذلك اللجنة الثلاثية المعنية بمتابعة مصادقة الحكومات على اتفاقيات العمل العربية والدولية التي تقرّها مؤتمرات منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية فضلاً عن اللجنة الخاصة المتعلقة بتطوير وتحديث قانون العمل وكذلك اللجان المتصلة بحلّ نزاعات العمل الجماعية وتسمى اللجنة التحكيمية للنظر في حلّ الخلافات الجماعية بالإضافة إلى مجالس العمل الثلاثية التشكيل لفضّ نزاعات العمل الفردية.
غاية هذه اللجان والتي تمّ الإشارة إليها هي تعزيز الحوار الاجتماعي وتطبيق القوانين المرعية الإجراء.
كما أنّ تشريع قانون الضمان الاجتماعي هو ركن أساسي في تأمين الحماية الاجتماعية وتعزيز الحوار الاجتماعي والحماية الاجتماعية بما يؤمّن الاستقرار الاجتماعي لأوسع شريحة من شرائح المجتمع وهي العمال وذلك من خلال إنشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يشارك أطراف الإنتاج الثلاث في إدارته وتطوير أنظمته كصندوق تعويضات نهاية الخدمة الذي يجري العمل من أجل تحديثه لتتحول إلى صندوق للتقاعد والحماية الاجتماعية. إلى جانب صندوق المرض والأمومة وصندوق التعويضات العائلية والتعليمية وكذلك قانون طوارئ العمل والأمراض المهنية وغيرها من التشريعات التي تعزّز الحوار الاجتماعي وتحقّق الأمن الاجتماعي.
إلاّ أنّ التشريع الاجتماعي الأهمّ والذي يشارك فيه إلى جانب الدولة وأصحاب العمل والعمال وهيئات المجتمع المدني هو المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي اتسعت الحاجة إليه بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا ولحقت بها العديد من الدول العربية بدءاً من تونس فالجزائر والمغرب وبعدها في الأردن ولبنان والسودان وبدءاً والتوسّع ليشمل باقي الوطن العربي.
هذا المجلس الذي تطوّر بسبب أهميته ودوره وسعته التمثيلية ممّا جعل الحكومات ملزمة بإحالة كافة مشاريع القوانين ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي إلى هذه المجالس من أجل مناقشتها والأخذ بملاحظاتها لإحالتها إلى المجالس النيابية التشريعية بحيث درجت المجالس التشريعية على الأخذ بملاحظات المجالس الاقتصادية والاجتماعية وعدم إصدار أي قانون دون الأخذ بتوصياتها. بالرغم من الطابع الاستشاري لهذه المجالس. وبسبب أهمية هذه المجالس سعى مكتب العمل العربي للإعلان عن قيام الرابطة العربية للمجالس الاقتصادية والاجتماعية العربية وعرض الموضوع على مؤتمر العمل العربي القادم من أجل إطلاقه.
تبقى كلمة أخيرة حول دور النقابات العمالية في التأثير على تشريعات العمل ورعاية مصالحها من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وهو الدافع الأول لتعزيز الحوار الاجتماعي لا سيما وأنّ العمال هم الأطراف الرئيسية المعنية بنتائج هذا الحوار والذي لا يمكن أن يتحقّق بدون نقابات عمالية موحّدة ممثلة لعمالها وقادرة على حماية مصالحهم الرئيسية وفي مقدّمها الحقوق والحريات النقابية والتفاوض الجماعي والحماية الاجتماعية والتأمينات الاجتماعية والسلامة والصحة المهنية التي هي رأس مال العمال وصولاً إلى العمل اللائق والأجر العادل وحماية الحدّ الأدنى للأجور والمساواة في العمل وحقوق المرأة ومكافحة عمالة الأطفال فضلاً عن التكوين المهني لمكافحة البطالة وتأمين فرص العمل...
لقد تزايدت أهمية التشريعات العمالية في زمن العولمة وإملاءات البنك الدولي وشروط صندوق النقد الدولي من أجل خصخصة القطاع العام وانسحاب الدولة من دورها في الرعاية الاجتماعية ممّا يستوجب وحدة العمال وحركتهم النقابية بمواجهة هذه المخاطر.   وشكــراً.